العرض في الرئيسةفضاء حر

12 يوما في زنازين “الجماعة” (3-3)

يمنات

محمد الصهباني

خلال خضوعي لتحقيق مطول، سألني المحقق المثقف، وهو “شرعبي” كما عرفت لاحقاً: 

إلى أي حزب تنتمي؟، قلت له: أنا إشتراكي وبكل فخر، سرعان ماوضعت كفي الأيمن على قلبي، مرتين.

رفع رأسه نحوي مندهشاً، والتزم الصمت لبرهة، وواصل التحقيق معي ثلاث ساعات دون انقطاع.

في نهاية التحقيق، سمعته يقول لزميل له، وقد أشار بسبابته إلىَّ: “هذا محرِّض”. صدمني هذا الأمر، وعرفت أن ممن خُضعوا لتحقيق، بتغطية عيونهم، ورفع أياديهم بشكل عمودي، قالوا إنهم وصفوا بـ”متحفظ”. 

ما إن عاد كل من خضع للتحقيق، حتى بدأت الاستفسارات عن كلمتي “محرِّض، ومتحفظ”، لمعرفة مصير وحجم العقوبة.

كان مصطفى، يتنقل من حلقة إلى أخرى، للتأكيد عليهم بشكل جماعي، وفردي: “أن الله وحده هو القادر على أمر تحريرنا، وليس السجان”، محذراً من الاعتقاد أن السجان، أو أي بشر، كفيلان بأمر الإطلاق من السجن.

خلال الستة الأيام الأخيرة، عاش فيها، قرابة 300 سجين، اعتقلوا بشكل عشوائي، وخاصة ليلة الخامس والعشرين من الشهر، أغلبهم بسبب إحراقهم لإطارات المركبات، احتفاءاً بستبمبر، منهم شباب من مختلف الأعمار، وطاعنون في السجن، تم الزج بهم دون أن يكونوا قد قاموا بإحراق الإطارات.

 ازادات نبرات السجناء، سخرية من تعرض بعضهم للاعتقال، بسبب الاحتفال بـ”حرق التوائر”، يؤكد بعضهم عدم المشاركة في الاحتفال بسبتمبر، لا من قريب ولامن بعيد.

 أحدهم قال إنه ألقيَّ القبض عليه، وهو يقوم بصب المياة، لإطفاء ألسنة اللهب، ولم يشفع له هذا الفعل من الإفلات من الاعتقال.

كانت معاناة السجناء الذين يمثلون مناطق كثيرة، نقلهم من غرفة لأخرى، لأكثر من مرتين في اليوم، وخاصة خلال ساعات متأخرة من الليل، وبقاء كثيرون منهم، في زنازين فيها من القمل، والكتن، فضلاً عن عدم حصولهم على حقوقهم الطبيعية، كالتهوية، والمياة الصحية بكميات كافية.

شخصياً، كنت أعاني كثيراً من الحصول على جو طبيعي، وغير مظطرب، بردوة وحراً. ففي أوقات النهار، كنت أعاني أوقاتاً تسببت في تعرضي لضربات برد، نتيجة اشتداد الحرارة، سرعان ماتُواجه بتسلل نسمات ريح.

هذا الوضع، لم أنج منه إلا في ساعات الفجر الأولى، في الحصول على نوم طبيعي، يستمر حتى ساعة موعد الإفطار.

هنالك أيضاً معاناة، واجهتنا بسبب ارتفاع ضجيج الصوتيات الضخمة، التي كانت تفرض من قبل المشرفين، خلال الدورات الثقافية على السجناء، بشكل “عشوائي” وغير مرتب.

وبمعزل عن كونها تخص نهج “الجماعة” وتقبل البعض سماعها، فلا شك في أن أصواتها المرتفعة، أدت إلى إضطراب طبلتي أذناي، ومازلت أعاني التهابات، بسبب صدى دوشتها.

في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، قام عصام صبر، مدير أمن المديرية، بزيارة إلى زنزانة سجناء، أعتقلتهم أجهزته من أكثر من منطقة، وعمل على متابعة الإفراح عن عدد من الأسماء المرشحة، كنت أحدهم.

  في الخامسة عصراً، تم بحمد الله وتوفيقه، وتضامن الرفاق، والزملاء، إطلاقي، من “سجن الصالح”، بعد أن قضيت فيه معتقلاً مع مجموعة كبيرة من أبناء المديرية، طوال 12 يوماً، منها 6 أيام في سجن المديرية، على خلفية احتفالات 26 سبتمبر. 

لا ننسى مصطفى القبيلي، الذي قاسم زملاؤه الضحكة، والحزن، والماء، والخبز، في زنزانة المديرية، و “الصالح”؟!، وكان أشجع معتقل في مواجهة السجان الذي حاول النيل من اسكات صوته المرتفع، ولم ينجح.

الحرية لمصطفى ابن مديرية خدير، وجميع المعتقلين على خلفية احتفالاتهم بـ”26سبتمبر.

تقدمت في منشور لي في “الفيسبوك”، بالشكر وجزيل العرفان لكل الرفاق والزملاء والنشطاء الذين تضامنوا معي، بشكل أو بآخر.

وفي منشور آخر، قلت فيه:”مازلت أتصفح كل ماكتب عني خلال فترة السجن، ومابعد إطلاق سراحي، وسعدت كثيراً وصفي بـ”المناضل”.

السلام على كل حرف قرأته ولم أقرأه بعد.

مايجب أن أشير إليه إلى أنه كان يفترض أن أكتب هذه المادة منذ وقت مبكر لإطلاق سراحي، وقد وفقت أخيراً في كتابتها، وفقاً لظروفي النفسية.

يقول الشاعر والأديب الألماني الراحل برتلوت بريشت “من يناضل ربما يخسر ومن لم يناضل فهو خاسر في كل الأحوال”.

المجد لكل الأحرار والشرفاء.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى